Thursday, May 24, 2007

لماذا نتبرأ من المعارضة


بسم الله الرحمن الرحيم

على فصائل وتيارات المعارضة المصرية على اختلاف ألوانها والتى تطفو على سطح الحراك السياسي المصري متخيلة أنها تمثله أن تعترف بأنها أخطأت فى حق هذا الشعب بشكل يكاد يقترب من خطأ النظام وان كان لا يساويه .
وذلك لأن عملية انتزاع العقل من الجسد واستبداله بعقل آخر عملية فى غاية الخطورة والتعقيد , ونجاحها يستلزم بالضرورة أن يتسم العقل البديل بالكثير من القدرة والحكمة والإخلاص وأن يكون لديه القدر الكافى من الترابط والثقة ليحظى بتأييد باقى أعضاء الجسد الذى يطمح لقيادته .
فان لم تتوفر هذه الشروط للعقل البديل ( وهو حال المعارضة اليوم ) ظل العقل الأصلي مهيمنا متربعا على عرش الجسد وهو ما يستفز العقل البديل ويدفعه رغم ضعفه إلى مزاحمة العقل الأصلي مادام غير قادر على إقصائه , ولضمان وجود احتمالية لنجاح هذا الأسلوب وتجاوزا لضعفها وتنافر قواها الداخلية وسعيا خلف المصالح والأهواء تختزل المعارضة الأزمة الكارثية التى نحياها من كونها أزمة نظام حكم يجب علينا الاتفاق عليه أولا إلى كونها أزمة نظام حاكم يجب علينا إسقاطه أولا , وهو أمر فيه الكثير من المغالطة وتفوح منه رائحة الهوى على الرغم مما طالنا جميعا من قهر وظلم وفساد من هذا النظام .
وذلك لأن الدعوة لإسقاط النظام الحاكم والتى تخرج من فرقاء لم يجمعهم شيئا مطلقا سوى معارضة النظام , على الرغم من تباين رؤاهم ومصالحهم و ولاءاتهم وما يجمع بين أغلبهم من تاريخ غلب عليه التكايد والتناحر فى أبسط الأمور ولأضيق المصالح , بالإضافة إلى الصلة شبه المقطوعة بين هؤلاء الفرقاء والشارع المصري ,وتوجس هذا الشارع من بعضهم واستخفافه ببعضهم وشكوكه فى ولاء وإخلاص بعضهم .
كل ذلك يجعل من دعوة إسقاط النظام طريقا غير مؤدى للنتيجة المرجوة , ويجعل من النظام قوة رهيبة قادرة ومسيطرة تستحيل إزاحتها لأن القوة المقابلة لها تتألف من مجموعة قوى وهمية طبيعة تكوينها التنافر .
وهذه الطبيعة الغير متكافئة للصراع بين النظام وقوى المعارضة المتنافرة والغير مدعومة من الشارع تعطى النظام الفرصة للعبث فى صفوف هذه المعارضة واستضعاف البعض والاستقواء بالبعض والبطش كيفما شاء وذلك اعتماد منه على رغبة بعض صفوف المعارضة فى إزاحة البعض الآخر أو إضعافه مخافة سيطرته فى حالة النجاح .
كذلك فان ضعف التأييد والتفاعل الشعبي مع قوى المعارضة المختلفة يدفعها إلى تصعيد الاشتباك مع النظام الحاكم سياسيا وإعلاميا لإثارة هذه الأغلبية الشعبية الصامتة المتربصة الناقمة على النظام الحاكم والغير موالية لقوى المعارضة طمعا فى استقطابها ودفعها إلى المشاركة , وهو ما يستلزم تقبيح صورة النظام الحاكم بالصدق أو الكذب وفتح معارك جانبية مستعرة فى ملفات فرعية غير أساسية لا لشيء إلا لكونها تتسم بالقدرة على التأثير فى هذه الأغلبية الصامتة وهو ما يؤدى بدوره إلى تقزيم قضايا عملاقة وتمرير مصائب لا تمر .
ويتزامن مع تصعيد الاشتباك السياسي والاعلامى مع النظام الحاكم اعتماد لغة أكثر بذاءة من سابقتها تصل إلى حد التطاول المباشر على قيادات النظام والتبشير باقتراب سقوطها الحتمي وتوعدها بالانتقام وسوء المصير وذلك ظنا منهم أنهم بذلك يجرئون الشعب بتقزيم صورة النظام المسيطرة المستبدة فى عينيه وتحويلها إلى صورة نظام مذعور يتداعى , وفى هذا جهل بالمصالح الحقيقية للوطن وأدوات تحصيلها وسوء فهم لأسباب سكوت وتربص وحياد هذه الأغلبية الشعبية الصامتة .
فالتطاول على رموز النظام وتوعدها لا يؤدى إلا إلى إثارة فزعها واستفزازها واستنفارها على الجميع , ويدفعها إلى تحصين النظام وتامين مكانتها فيه وذلك لأنها رأت التهديد والوعيد وهى فى سودة الحكم فكيف سيكون الحال إذا ما سقطت وتركت الحكم ؟!
فتكون نتيجة هذا الاستفزاز والتطاول المبرر أو الغير مبرر هى أن توضع حاجة الأمن لشخص واحد أو عدة أشخاص بالدوافع الإنسانية البحتة فى مرتبة أعلى من مصالح الوطن مجتمعة .
هذا بالإضافة إلى أن فكرة التطاول على القيادة مهما كانت المبررات فكرة مرفوضة , وتؤسس لثقافة جديدة تتسم بالتجاوز فى التعامل مع القيادات ولو كانت عادلة , وترسيخ مثل هذه الثقافة يقلل من فرص نجاحنا فى تجاوز ما يقابلنا كأمة , وذلك لان الأمم لا تقوم ولا ترتقى حضاريا إلا بقيادة وقاعدة شعبية متشابكتين متآلفتين يقدر كل منهما الآخر ويعرف له حقه .
والسلام على من اتبع الهدى .